Ayat
عدد الرسائل : 38 تاريخ التسجيل : 18/06/2008
| موضوع: كيف نفهم القرآن (للسيد محمد رضا الشيرازي الحسيني "قده") ..الجزء الثالث.. الجمعة يونيو 20, 2008 1:07 pm | |
| السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
كيف نفهم القرآن السيد محمد رضا الشيرازي الحسيني شبهات حول القرآن
هنالك بعض الشُّبَه والإشكالات، التي قد تقفز إلى أذهان البعض للتدليل على عدم جواز التدبر في القرآن الكريم، بل ولاعتبار (التدبر) في القرآن معصية كبيرة تهوي بصاحبها في نار جهنم، وساءت مصيراً؟!
فما هي هذه الشبه؟ وما هي الإجابة عنها؟
الشبهة الأولى: الروايات نهت عن ذلك!
يقولون: لقد نهت الروايات الشريفة عن (التفسير بالرأي)، وهددت من يفعل ذلك بنار جهنم، وقالت: (من فسر القرآن برأيه، إن أصاب لم يؤجر، وإن أخطأ هوى أبعد من السماء). (من فسر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر).
ولكن، ما هي النتيجة؟ عن ذلك يجيبنا حديث آخر فيقول:
(من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار).
وبعد هذه الروايات المشددة. هل يجرؤ مؤمن على التدبر في آيات القرآن الكريم؟! هكذا زعموا، وبئس ما يزعمون!
ذلك لأن (التفسير بالرأي) لا يعني (التدبر في القرآن) إذ أن هذه الروايات لا يمكن أن تنهى عن نفس ما أمر به القرآن الكريم والروايات الأخرى، بل أنها تعني أحد الأمور التالية:
1 - أن يحمل الفرد آراءه الشخصية، على تعريف المعاني القرآنية بأحد الأشكال التالية:
(أ) حمل اللفظ القرآني على خلاف ظاهره.
(ب) حمل اللفظ القرآني على أحد احتماليه، دون أي دليل.
مثلاً: يحمل (القرء) في قوله تعالى: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ) على الطهر دون الحيض، باعتبار أن (القرء) لفظة مشتركة بين الطهر والحيض، من دون أي دليل.
(ج) التعسف في تأويل الآيات القرآنية، وحملها على معاني ما أنزل الله بها من سلطان. وسوف نضرب على ذلك بعض الأمثلة فيما بعد.
أما الأسباب الكامنة وراء هذا (التحريف المعنوي) الذي يأتي تلبية لآراء الفرد فهي:
الأول: الأهواء الشخصية للفرد
إن بعض من لم يدخل نور الإيمان قلوبهم يحاولون أن يُخضعوا آيات القرآن لأهوائهم وشهواتهم، ولذلك فهم يحاولون فهم الآيات القرآنية (بآرائهم) أي حسب أهوائهم وشهواتهم.
فهذا (يحيي بن أكثم) - القاضي الشهير - كان يعاني من (الشذوذ الجنسي) حتى قال عنه ابن خلكان: (ألوط قاض بالعراق نعرفه)!
وكان محبوب المأمون، فقال له يوماً: لمن هذا الشعر:
قاض يرى الحد فـــي الزنا ولا***يــرى على من يلوط من بأس
فأجابه: الذي قال:
ما أحسب الجور ينقضي وعلى***الأمـــــــة وال مـــن آل عباس!
يحيى بن أكثم هذا، كان (يدين) عمله الشائن، ويتمسك بآية من القرآن في مشروعية ذلك! والآية هي قوله تعالى: (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً).
فكان يستفيد من ذلك إباحة (الزواج) وإباحة (اللواط) كذلك! ولا أعلم هل كان يفهم من ذلك (استحباب) هذا العمل الشائن أيضاً؟! إن الآية الكريمة تقول: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً).
وهي تعني أن الناس تجاه (إنجاب الذرية) على أربعة أقسام، فقسم لا يولد له إلا الإناث وقسم لا يولد له إلا الذكور، وثالث: يولد له الاثنان معاً. ورابع: لا يولد له أي واحد منهما. بل يظل عقيماً! ولكن يحيى بن أكثم اقتطع هذه الجملة من القرآن، وفصلها من سياقها العام، لكي يرضي أهواءه وشهواته.
والآن، لنستمع إلى حوار بين يحيى بن أكثم، وبين الإمام الهادي (عليه السلام)، في هذا الصدد. فقد سأل الإمام عن قوله تعالى: (أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً).
فأجاب الإمام (عليه السلام): (أي: يولد له ذكور، ويولد له إناث. يقال لكل اثنين مقرنين: زوجان، كل واحد منهما زوج).
وأضاف الإمام وهو يضرب على الوتر الحساس: (ومعاذ الله أن يكون غنى الجليل [أي الله تعالى] ما لبست به على نفسك، تطلب الرخص لارتكاب المآثم (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً).
واستدرك الإمام قائلاً: (إن لم يتب).
إن هذا الشكل من (التحريف المعنوي) هو الذي يصدق عليه (من فسر القرآن برأيه) أي حسب أهوائه وشهواته. وهذا الشكل من التحريف لا تزال الأمة تعاني من آثاره السلبية حتى الآن. مثلاً: يفسرون قوله تعالى: (وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) بأن على الفرد أن لا يعمل، ولا يجاهد، ولا يواجه الطواغيت لأن ذلك يعني (التهلكة) التي قد نهانا الله عنها. وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).
بأن مسؤولية الفرد محصورة في إطار ذاته، ولا شأن له بالآخرين؟ فليذهب العالم كله إلى الجحيم! ليس ذلك مهماً! المهم أن يحافظ الفرد على صومه وصلاته، وبعض آخر من الواجبات الفردية وليس أكثر من ذلك.
ويقول شاعرهم في ذلك:
وما أبالـــي إذا نفسي تطاوعني***على النجاة بمن قد ضل أو هدى! ويفسرون (الصبر) الذي ورد الأمر به كثيراً في القرآن الكريم والسنة الشريفة، بأنه يعني: الخضوع للطواغيت، والاستسلام لهم.
و (التقية) بأنها تعني: الجمود والتوقف.
و (التوكل) بأنه يعني: إيكال المسؤوليات إلى الله، والجلوس في زوايا البيوت، بانتظار (الفرج)! و (الزهد) بأنه يعني: اعتزال الدنيا، وترك (الفاسقين) و (الكفار) يمرحون فيها ويلعبون، وانتظار ثواب الله في الآخرة، بدلاً من ذلك. وهكذا، وهلمّ جرّاً.
وهذا هو أحد مصاديق (التفسير بالرأي) المنهي عنه في الروايات، والذي يعني حمل آيات القرآن الكريم على طبق (الآراء) التي تكونت للإنسان من خلال أهوائه وشهواته. إن القضية تبدأ بـ (هوى) يسعى خلفه الإنسان.
وعلى مر الزمن يتحول هذا (الهوى) إلى رأي ونظرية، ثم يحاول الإنسان تطويع (الدين) ليأتي مؤيداً، بل ومشجعاً على هذا (الرأي).
وهنا، يأتي الحديث الشريف: (من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)!
الثاني: المسبقات الفكرية المركزة في عقلية الفرد
فهنالك كثيرون يقرأون القرآن، وأدمغتهم مشحونة بالأفكار والرؤى والمفاهيم المسبقة، ولذلك فهم لا يرون القرآن إلا من خلال أفكارهم، ولا يجدون في القرآن إلا ما يؤيد هذه الأفكار.
تماماً، كالذي يضع على عينه نظارة سوداء، إنه يرى جميع الأشياء بلون نظارته! وكذلك هؤلاء، فهم يرون آيات القرآن، بلون المفاهيم القابعة في عقولهم.
إنهم يحاولون فهم القرآن كما تقتضي قيمهم وأفكارهم، بدل أن يكونوا (تلامذة) متواضعين أمامه. إنهم يحاولون توجيه القرآن على حسب ما تقتضيه أفكارهم الواهية، بدل أن يحاولوا تهذيب أفكارهم على حسب ما تقتضيه مفاهيم القرآن الرفيعة.
وهذا هو عين الخطأ.
وهذا هو - أيضاً - أحد مصاديق (التفسير بالرأي) المنهي عنه.
ونجد في التاريخ الغابر، كما في التاريخ المعاصر أمثلة كثيرة على ذلك.
* وأول ما نجده في هذا المجال هو تفسير القرآن الكريم على حسب (الأفكار العقائدية) المسبقة، كما نلمس ذلك في أصحاب مذاهب من أمثال (المعتزلة) أو (الأشاعرة) أو (الباطنية) أو (الكرانية) أو غيرهم.
هذه الطوائف كانت تحمل آراءً خاصة في (الله) و (صفاته الثبوتية) و (صفاته السلبية)، وغير ذلك، وعندما اصطدمت عقائدها بالقرآن أخذت تفسّر الآيات القرآنية على حسب آرائها السابقة. * ونجد كذلك تفسير آيات القرآن حسب (الفكر الصوفي) و (الذوق العرفاني)، والذي جاء من أجل تدعيم أفكار هذين الاتجاهين، وإعطائهما صبغة (شرعية).
ونجد ذلك جلياً في كتاب (الفصوص) الذي ألّفه (محيي الدين ابن العربي) تأييداً لأفكاره الصوفية الخاطئة. والذي يسعى فيه (ابن العربي) إلى تخريج المعاني التي يريدها من الآيات والأحاديث بطريقة خاصة في التأويل، فإن كان في ظاهر الآية ما يؤيد مذهبه أخذ بها، وإلا صرفها إلى غير معناها الظاهر.
فمثلاً: باعتبار أن مذهب ابن العربي هو (وحدة الوجود)، لذلك فهو يفسر قول هارون لأخيه موسى: (يَا ابْنَ أُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي) بأن موسى بعد أن عاد من (الطور) ورأى قومه قد عبدوا العجل، عاتب أخاه هارون قائلاً له: لماذا لم تدع الناس يعبدون العجل؟ ألا تعلم أن الله سبحانه يجب أن يُعبد في أية صورة كان المعبود!
أو مثلاً، يفسر بعض العرفاء قوله تعالى: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) بأن اليد هي المعصومون الأربعة عشر، باعتبار أن (يد) تحمل الرقم (14) بحساب الحروف (الأبجدية)!
وكذلك أيضاً يفسر بعض العرفاء قوله تعالى: (اذهب إلى فرعون إنه طغى) بأن المقصود من (فرعون) ليس شخصاً معيناً، بل المقصود به (القلب القاسي)، وهذه الآية تشير إلى مجاهدة هذا اللقب. ومما يمكن إلحاقه بما نحن فيه تصريف بعض الصوفية معنى قوله تعالى: (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ) إلى معنى الحب والعشق!.
* وهنالك أيضاً تفسير القرآن الكريم حسب (الفكر المادي)، والذي حدث متأثراً بالفترة التي أخذت الحضارة الغربية تخطو فيها خطوات واسعة في المجالات العلمية والتكنولوجية، مما أبهر بريقها عيون بعض المسلمين.
هؤلاء أخذوا يفسرون القرآن بطريقة خاصة، ترك الاتجاه المادي بصماته واضحة عليها. فالملائكة، والجن، والشياطين فسروها بـ (القوى الطبيعية) التي تسير الإنسان والكون. ومعاجز الأنبياء، أخذت تعطي مدلولات جديدة، وتفسر بشكل جديد.
وهكذا، وهلمّ جراً.
* * * * * إن كل هذه الأنواع من التلاعب بمعاني القرآن الكريم، وتوجيه الآيات القرآنية على حسب الأفكار (العقائدية المسبقة) أو (الأفكار الصوفية والعرفانية) أو (الاتجاهات المادية). كل هذه تعتبر من أنواع التفسير بالرأي، المرفوض أساساً من قبل الدين.
يتـــبع.. | |
|